Sunday, July 30, 2017

يوماً_ما

علي ذلك الكرسي الصغير في زاوية حمام المطعم الشهير جلست الفتاة باعوامها التي اقتربت من الثالثة عشر، ترقب بعينيها الباب في انتظار عودة امها من مطبخ المطعم، تأتي لها باحدي الشطائر لتأكلها حتي تنتهي الام من عملها، تأتي معها احيانا وتشاهدها وهي تقوم بعملها من الاعتناء بنظافة الحمام، تقضي وقتها في مراقبة رواد المطعم الشهير، منبهرة بحياة تعلم انها لن تعيشها يوما، وملابس لن ترتدي ابدا مثلها.
اندفعت احدي الفتيات بسرعة، توجهت الي الشباك في نهاية الحمام الكبير اخرجت من حقيبتها علبة سجائرها وقداحة واشعلت سيجارة، ادارت الفتاة نظرها سريعا، علمتها امها مرارا الا تنظر الي رواد المطعم حتي لا تقع في مشكلات لا قبل لها بها.. في عقلها تفكر، تلك الفتاة المستهترة تدخن كالرجال بلا خجل.
هناك تسرح الفتاة، لم تستطع البقاء معه علي طاولة العشاء وهو يحدثها عن انجازه بالعمل، يركض اليها ليقص انتصاراته ويشاركها امجاده، تبحث عن نفسها في احاديثه فلا تجدها، هي دوما تلعب دور المتلقي، لا وجود لها الا علي كرسي المشاهد لملحمة نجاحاته العظيمة، القت بعقب سيجارتها من الشباك وتوجهت للمرآة لتصلح طلاء شفاهها الذي افسدته السيجارة، اخرجته من حقيبتها.. احمر دموي يتناقض مع بلوزتها السوداء.
صدمت الفتاة الواقفة امام المرآة تتطلع الي انعكاسها، اعتذرت لها سريعا، الا ان الفتاه لم تجب، تتأمل احمر الشفاه الذي صبغت به شفتاها، احمر دموي، حذرتها امها كثيرا من ذلك اللون الفاقع، تقول انه يعطي انطباع سيء، تذكرت انه من اهداها اياه، طالبها الا تضعه الا في مناسبة خاصة، واليوم مناسبة خاصة، ذكري سفرها من مدينتها البعيدة، ذكري تركها اعواما مضت من عمرها بلا رجعة في محاولة انقاذ ما تبقي من عمرها، يوم تركته هو... تركت قلبها معه وغادرت غير نادمه، اتت اليوم الي للعشاء مع ذلك الصديق العزيز، في نفس المطعم وعلي ذات الطاولة التي احضرها اليها حين استقبلتها المدينة الجديدة، وعدها ان يبقي سندا وبقي، افاقت من افكارها متأملة احمر الشفاه.. احتفظت به رغم مرور الاعوام، ليس فقدان قطعة من القلب ثمنا باهظا للحفاظ علي سلام الروح، التفتت لتجيب اعتذار الفتاة التي صدمتها وابتسمت لها.
حين تناولت حقيبتها لتغادر طالعت وجهة امرأة ثلاثينية، تغسل وجهها بهدوء، تناولت منديلا وازالت المكياج بالكامل ثم اخرجت احمر شفاه مست له فمها بنفس الهدوء، تكره الالوان القوية، الا ان ذلك اللون تحديدا احبته منذ رأته لاول مره، بدا غريبا وقوبا ومتمردا، بدا كل ما تريد ان تكونه ولا تجد له الجرأة، طالما نقصتها الجرأة في مواقفها، توافق دائما علي ما يبدو نصف حياة حتي لا تخسر النصف الآخر، اتت اليوم مع صديقاتها المقربات محتفلين بعمل احداهن الجديد الذي انتقلت اليه، حين اتت تذكرت شغفها قديما بالعزف حين رأت الفرقة في ركن المكان، دمعت عيانها وتوجهت للحمام حتي لا تلاحظ صديقاتها تلك الدموع، حتي احمر الشفاه تضعه خفيفا.. نصف حالة من احمر الشفاه الدموي تتماشي مع حالة نصف الحياة.
- ايه ده؟؟؟ لون الروج بتاعكو واحد.. هتفت الفتاة فجأة والتقت عيون الفتيات الثلاث في ابتسامة واحدة ثم غادرن سريعا.
عادت الصغيرة لافكارها منتظرة الشطيرة، متسائلة عما اذا كانت يوما ستأتي هذا المطعم للعشاء وهي تضع طلاء الشفاة الاحمر الدموي.. ربما

1 comment: