Monday, July 10, 2017

يوماً_ما

تلك المنضدة
غريب هو العقل في تذكر تفاصيل لا ندرك احيانا وجودها، هي لا تتمتع بذاكرة قوية، ومع تكرار ترددها علي نفس الغرفة في احدي الاوقات البعيدة، لم تتخذ يوما قرار بالتوقف عن زيارته بل هي توقفت فحسب.. بدا تصرف عفوي، اما حين قررت ان تعاود تلك الزيارات بدا الامر اكثر صعوبة بمراحل، هي تحتاج لقرار.. ولإرادة لتنفيذ القرار، ولمتسع من الوقت حتي تحقق تلك الارادة.
تعرف ايضا انه عليها ان تقص الكثير، احداث واحاديث، وان لا تكتفي بالحدث وانما ان تقص ما سبقه وما تلاه، والاسوأ انه عليها ان تخلع كل اقنعة القوة وعدم الاكتراث التي ترتديها وتقص كل تلك المشاعر الحقيقية.
حين توقفت عن زيارته صارت تحمل دائما دفتر اوراق في حقيبتها، ثم اصبحت تنسي او تتناسي حمله معها فاصبحت دائمة التدوين في قصاصات، فاتورة قديمة، احد المحارم الورقية، يوجد دائما قصاصة ما تحمل ذكري خاصة بها او تحمل مشاعر وآلام سكبتها حتي تتخلص منها، افزعها منذ عدة ايام ان تكتشف ان كل تلك الدفاتر والقصاصات قد احتلت جانب كامل من مكتبتها، اغلقت سريعا خوفا اذ تراءي لها ان الحياة قد دبت فيهم جميعا وقرروا مهاجمتها فور ان فتحت جانب المكتبة حيث تخبئهم من نفسها، تكاد تسمع الاصوات وتري المواقف حية امامها.
بعثت له رسالة تحدد موعدا، فهي بحاجة الي دفن تلك الذكريات في رأس شخص اخر، كتبت له ان لا يرتبط بمواعيد اخري، في الموعد المحدد دخلت من الباب الي تلك الغرفة في نهاية الممر مباشرة، تمشي بصعوبة بالغة من تلك الصناديق التي تحملها، فقد كدست كل تلك القصاصات والدفاتر داخلهم قبل ان تأتي مباشرة، لم تستطع ان تخرجهم قبل ذلك حتي لا تهرب احدهم وتختبيء لتبقي داخل حجرتها، سمعت اصواتهم متداخلة مزيج من ضحك وبكاء وصخب وصمت الا انها سدت اذنيها بحسم حتي لا تتسلل الاصوات اللعينة لتعاود احتلال رأسها، شعرت بمقاومتهم ومحاولات الهروب الا انها تمكنت من اسرهم داخل الصناديق بصعوبة بالغة.
وضعت الصناديق علي ارض الغرفة فيما وقف مبتسما لها ومصدوما مما تحمل، حيته بهدوء.
لن اتكلم اليوم، لن اصف، اتيتك بشهور مكدسة لاتخلص منها، اقراءها جميعا وانا هنا صامته، ثم اخبرني عما يجب فعله او اكتب لي ما تراه مناسبا من الدواء للتخلص من بقايا تلك الاشياء.. يظن الاخرون انه نوعا من الاكتءاب اما انت فتعلم انني لا اكتئب انا فقط اتخلص من ازعاج تلك الاوقات، هي حقا صاخبة جدا لا تكف عن الصراخ.. اقرأ ايها الطبيب لاني اريد تأمل تلك المنضدة فهي الشيء الوحيد الذي اذكره جيدا في تلك العيادة الضخمة، يبدو ان تفاصيل العيادة وتفاصيلك انت قد وجدت مستقرا باحدي القصاصات.. لا تدعها تفلت ولا تكرر علي كلمات الاخرين ان الاوراق لا تصدر اصواتا ولا تتحرك مطاردة لنا في الطرقات، هم جهلاء وانا اربأ بك من الجهل.
هيا تابع القراءة واتركني اتأمل المنضدة، علني يوما ما انساها هي الاخري.

No comments:

Post a Comment