Friday, December 15, 2017

يوماً_ما

نظرت ليديها طويلا متأملة ذلك الجرح القديم، لم تبح ابدا بسبب ذلك الجرح، لم تبح ان هناك جرحا فمنذ سنوات احتل مكانه وشم لوردة زرعتها لتذكرها دائما الا تنزف الا وردا.
يقترب موعد تحرص دوما ان تنساه بكل اصرار، تحرص ان تمحو ذكريات بدت سعيده منذ اعوام قبل ان تدرك انه ما من ذكري تبقي سعيدة، اخرجت ورقة وقلما خطت ارقاما كتيرة بدون تركيز، رسمت خطوطا طولية وعرضية، مزقت الورقة، نظرت الي ركن بعيد، حيث سكنت صورة قديمة لسنوات قبل ان تمزقها، تحررت من عبادة وثن قديم قدمت له يوما قربان قبل ان تسكن القربان وردة مرسومة تذكرها الا تقدم قرابين لاوثان.
من ركن بعيد في الغرفة تطاير الارقام والتواريخ محاولة اثناءها عن اصرارها الا تتذكر.. تصر علي قرارها بعدم التذكر، منذ اعوام طويلة لم تنس ابدا الا تتذكر.
تغادر الغرفة بثقة الي الخارج، عازمة ان تدمر يوما ذلك المعبد يوما، اما الان فقد اكتفت ان تحبس ذكرياتها بداخله، ومصرة علي تذكر الا تنسي.
ستهدم ذلك المعبد

Sunday, November 26, 2017

يوماً_ما

يوما ما... سأترك تلك المدينة الحزينة، المتباكية علي اطلال جمالها الزائل وحسنها البائد، ومجدها المغدور، المنكسرة مابين خذلان وانتهاك وشموخ يحاول عبثا ان يطل من خلف افق تعكر يومه.
يوما ما سأترك شوارع جبتها فرحا وحزنا وعشقا وثورة، سأترك تلك اللحظات التي حفظت علي الارصفة والطرقات.
يوما ما سأنظر للشوارع لأري بشرا وحجرا، بدلا من ان انظر فتطل علي دموع وضحكات، دخان وروائح، قبلات مختلسه، واحضان، واذرع ممدودة لتخفف آلام السقوط.
يوما ما سأتوقف عن سماع نداء الارصفة، وبكاء الاسفلت، وانين الحجارة، واستغاثات المباني.
يوما ما سأكفر بعشقا سكنني لمدينة توقفت عن عشق ذاتها، وافرد اجنحتي بعيدا لأحلق الي سماء اخرى غير تلك التي لم اعد استطع رؤيتها من شرفة منزلي.

Wednesday, September 27, 2017

يوماً_ما

لا اعلم من الذي علمنا ان البدايات دائما هي الاجمل، وانها رائعة، وان لحظات اللقاء الاولي هي التي تبقي محفورة في الذاكرة الي الابد، محتفظة بكل التفاصيل.
الا اني اعلم علم اليقين انهم مخطئون، مضلون او مضللون، فكثيرا ما عبرت البدايات غير مرئية او محسوسة، كثير ما سقطت او اسقطت من ذاكرتي، ذهبت في اركان بعيدة يصعب كثيرا استعادتها حتي وان رغبت، اسرح كثيرا في محاولة استعادة لحظات بدايات فارقة فلا استطيع، تأتي الذكريات ضبابية كأني اطل عليهم من خلف نافذة زجاجية وسط الكثير من السحب وامطار كثيفة، اعلم يقينا ان كل تلك البدايات تكدست بعيدا ولاسبيل الي استعادتها.
لا اعلم من اخبرنا كذبا بروعة البدايات، لكنني اعلم يقينا ان النهايات هي ما يبقي، هي ما يظل حيا لايزول، وحدها النهايات لاتنسي، تأتي الذكريات دون ان نبحث عنها او نستدعيها، تأتي كاملة واضحة تحيطنا بروائحها واصواتها، لا تنزوي في ثنايا الذاكرة بل تقفز لتحيط بنا وتفرض وجودها.
لا اذكر اول فنجان قهوة ولا اول دخان نفثته معها من سيجارة، لا اذكر اول مقطوعة موسيقية سمعتها ولا اول شروق للشمس شاهدته، لا اذكر اول عطر ولا اول ثوب احببتهم، لكنني اذكر كل ما يحيطيني الان، اذكر الثوب الزهري الذي ارتديه، ارتشف ذلك الفنجان من القهوة الذي احمله الان، يختلط في انفي رائحته ورائحة عطري المفضل الذي وضعته، اشاهد غروب الشمس الرائع من شرفتي من خلف دخان تلك السيجارة الرائعة.
تلك الروعة لن تتكرر، جعلتني افكر كثيرا هل ارتشف ما تبقي من القهوة، ام اذهب سريعا الان قبل ان يذهب كمال اللحظة.
لا اعلم من اخبرنا كذبا بروعة البدايات.. الا ان النهايات هي ما يبقي، ولانها لحظة رائعة فانا اخترت ان تكون هي اللحظة الاخيرة.. لتبقي روعة النهاية في ذاكرتي الي الابد.
- نظر الي الخطاب الذي تركته علي المنضدة، بجانب فنجان قهوة غير منتهي، وزجاجة سم صغيرة، صدقت هي، النهايات دائما هي ما يبقي فهي تبدو رائعة في اخر مشهد لها، وهو بالتأكيد لن ينسي كيف تبدو الان.

Sunday, July 30, 2017

يوماً_ما

علي ذلك الكرسي الصغير في زاوية حمام المطعم الشهير جلست الفتاة باعوامها التي اقتربت من الثالثة عشر، ترقب بعينيها الباب في انتظار عودة امها من مطبخ المطعم، تأتي لها باحدي الشطائر لتأكلها حتي تنتهي الام من عملها، تأتي معها احيانا وتشاهدها وهي تقوم بعملها من الاعتناء بنظافة الحمام، تقضي وقتها في مراقبة رواد المطعم الشهير، منبهرة بحياة تعلم انها لن تعيشها يوما، وملابس لن ترتدي ابدا مثلها.
اندفعت احدي الفتيات بسرعة، توجهت الي الشباك في نهاية الحمام الكبير اخرجت من حقيبتها علبة سجائرها وقداحة واشعلت سيجارة، ادارت الفتاة نظرها سريعا، علمتها امها مرارا الا تنظر الي رواد المطعم حتي لا تقع في مشكلات لا قبل لها بها.. في عقلها تفكر، تلك الفتاة المستهترة تدخن كالرجال بلا خجل.
هناك تسرح الفتاة، لم تستطع البقاء معه علي طاولة العشاء وهو يحدثها عن انجازه بالعمل، يركض اليها ليقص انتصاراته ويشاركها امجاده، تبحث عن نفسها في احاديثه فلا تجدها، هي دوما تلعب دور المتلقي، لا وجود لها الا علي كرسي المشاهد لملحمة نجاحاته العظيمة، القت بعقب سيجارتها من الشباك وتوجهت للمرآة لتصلح طلاء شفاهها الذي افسدته السيجارة، اخرجته من حقيبتها.. احمر دموي يتناقض مع بلوزتها السوداء.
صدمت الفتاة الواقفة امام المرآة تتطلع الي انعكاسها، اعتذرت لها سريعا، الا ان الفتاه لم تجب، تتأمل احمر الشفاه الذي صبغت به شفتاها، احمر دموي، حذرتها امها كثيرا من ذلك اللون الفاقع، تقول انه يعطي انطباع سيء، تذكرت انه من اهداها اياه، طالبها الا تضعه الا في مناسبة خاصة، واليوم مناسبة خاصة، ذكري سفرها من مدينتها البعيدة، ذكري تركها اعواما مضت من عمرها بلا رجعة في محاولة انقاذ ما تبقي من عمرها، يوم تركته هو... تركت قلبها معه وغادرت غير نادمه، اتت اليوم الي للعشاء مع ذلك الصديق العزيز، في نفس المطعم وعلي ذات الطاولة التي احضرها اليها حين استقبلتها المدينة الجديدة، وعدها ان يبقي سندا وبقي، افاقت من افكارها متأملة احمر الشفاه.. احتفظت به رغم مرور الاعوام، ليس فقدان قطعة من القلب ثمنا باهظا للحفاظ علي سلام الروح، التفتت لتجيب اعتذار الفتاة التي صدمتها وابتسمت لها.
حين تناولت حقيبتها لتغادر طالعت وجهة امرأة ثلاثينية، تغسل وجهها بهدوء، تناولت منديلا وازالت المكياج بالكامل ثم اخرجت احمر شفاه مست له فمها بنفس الهدوء، تكره الالوان القوية، الا ان ذلك اللون تحديدا احبته منذ رأته لاول مره، بدا غريبا وقوبا ومتمردا، بدا كل ما تريد ان تكونه ولا تجد له الجرأة، طالما نقصتها الجرأة في مواقفها، توافق دائما علي ما يبدو نصف حياة حتي لا تخسر النصف الآخر، اتت اليوم مع صديقاتها المقربات محتفلين بعمل احداهن الجديد الذي انتقلت اليه، حين اتت تذكرت شغفها قديما بالعزف حين رأت الفرقة في ركن المكان، دمعت عيانها وتوجهت للحمام حتي لا تلاحظ صديقاتها تلك الدموع، حتي احمر الشفاه تضعه خفيفا.. نصف حالة من احمر الشفاه الدموي تتماشي مع حالة نصف الحياة.
- ايه ده؟؟؟ لون الروج بتاعكو واحد.. هتفت الفتاة فجأة والتقت عيون الفتيات الثلاث في ابتسامة واحدة ثم غادرن سريعا.
عادت الصغيرة لافكارها منتظرة الشطيرة، متسائلة عما اذا كانت يوما ستأتي هذا المطعم للعشاء وهي تضع طلاء الشفاة الاحمر الدموي.. ربما

Monday, July 10, 2017

يوماً_ما

تلك المنضدة
غريب هو العقل في تذكر تفاصيل لا ندرك احيانا وجودها، هي لا تتمتع بذاكرة قوية، ومع تكرار ترددها علي نفس الغرفة في احدي الاوقات البعيدة، لم تتخذ يوما قرار بالتوقف عن زيارته بل هي توقفت فحسب.. بدا تصرف عفوي، اما حين قررت ان تعاود تلك الزيارات بدا الامر اكثر صعوبة بمراحل، هي تحتاج لقرار.. ولإرادة لتنفيذ القرار، ولمتسع من الوقت حتي تحقق تلك الارادة.
تعرف ايضا انه عليها ان تقص الكثير، احداث واحاديث، وان لا تكتفي بالحدث وانما ان تقص ما سبقه وما تلاه، والاسوأ انه عليها ان تخلع كل اقنعة القوة وعدم الاكتراث التي ترتديها وتقص كل تلك المشاعر الحقيقية.
حين توقفت عن زيارته صارت تحمل دائما دفتر اوراق في حقيبتها، ثم اصبحت تنسي او تتناسي حمله معها فاصبحت دائمة التدوين في قصاصات، فاتورة قديمة، احد المحارم الورقية، يوجد دائما قصاصة ما تحمل ذكري خاصة بها او تحمل مشاعر وآلام سكبتها حتي تتخلص منها، افزعها منذ عدة ايام ان تكتشف ان كل تلك الدفاتر والقصاصات قد احتلت جانب كامل من مكتبتها، اغلقت سريعا خوفا اذ تراءي لها ان الحياة قد دبت فيهم جميعا وقرروا مهاجمتها فور ان فتحت جانب المكتبة حيث تخبئهم من نفسها، تكاد تسمع الاصوات وتري المواقف حية امامها.
بعثت له رسالة تحدد موعدا، فهي بحاجة الي دفن تلك الذكريات في رأس شخص اخر، كتبت له ان لا يرتبط بمواعيد اخري، في الموعد المحدد دخلت من الباب الي تلك الغرفة في نهاية الممر مباشرة، تمشي بصعوبة بالغة من تلك الصناديق التي تحملها، فقد كدست كل تلك القصاصات والدفاتر داخلهم قبل ان تأتي مباشرة، لم تستطع ان تخرجهم قبل ذلك حتي لا تهرب احدهم وتختبيء لتبقي داخل حجرتها، سمعت اصواتهم متداخلة مزيج من ضحك وبكاء وصخب وصمت الا انها سدت اذنيها بحسم حتي لا تتسلل الاصوات اللعينة لتعاود احتلال رأسها، شعرت بمقاومتهم ومحاولات الهروب الا انها تمكنت من اسرهم داخل الصناديق بصعوبة بالغة.
وضعت الصناديق علي ارض الغرفة فيما وقف مبتسما لها ومصدوما مما تحمل، حيته بهدوء.
لن اتكلم اليوم، لن اصف، اتيتك بشهور مكدسة لاتخلص منها، اقراءها جميعا وانا هنا صامته، ثم اخبرني عما يجب فعله او اكتب لي ما تراه مناسبا من الدواء للتخلص من بقايا تلك الاشياء.. يظن الاخرون انه نوعا من الاكتءاب اما انت فتعلم انني لا اكتئب انا فقط اتخلص من ازعاج تلك الاوقات، هي حقا صاخبة جدا لا تكف عن الصراخ.. اقرأ ايها الطبيب لاني اريد تأمل تلك المنضدة فهي الشيء الوحيد الذي اذكره جيدا في تلك العيادة الضخمة، يبدو ان تفاصيل العيادة وتفاصيلك انت قد وجدت مستقرا باحدي القصاصات.. لا تدعها تفلت ولا تكرر علي كلمات الاخرين ان الاوراق لا تصدر اصواتا ولا تتحرك مطاردة لنا في الطرقات، هم جهلاء وانا اربأ بك من الجهل.
هيا تابع القراءة واتركني اتأمل المنضدة، علني يوما ما انساها هي الاخري.

Sunday, March 12, 2017

يوماً_ما

اسرعت الخطي وهي تهبط درجات السلم القديم، تكاد تقفز الدرجات غير عابئة بتلك الدرجات المكسورة فهي تحفظها عن ظهر قلب، تأخرت عن موعدها كثيرا، لاتحب التأخر عن تلك المواعيد التي تجمعها بنفسها، وصلت الي الشارع المشمس وبدأت تقطعه في خطوات سريعة، غريب هذا الشارع.. تنظر الي الارض فلا تجد ظلها، نظرت لاعلي كأنها تتأكد من وجود الشمس في كبد السماء، ثم عاودت النظر علي الارض لتبحث عن ظلها المختفي، لا تجده في اي من اركان الشارع، لا علي الارض ولا علي الجدران، اسرعت الخطي الي المقهي العتيق المنتظر لها ابدا، يبدو ان احدهم قد بناه منذ اعوام فقط لينتظرها، دفعت الباب وجلست علي طاولتها المعتادة بجانب النافذة، نظرت الي البحر عبر زجاج النافذة فبدي لها اقرب واوضح من كل المرات اللانهائية التي اتت فيها الي تلك الطاولة تحديدا، قربت وجهها من الزجاج فلم تر انعكاسها فيه، نظرت الي المرآة المثبتة في السقف لتري الطاولة الخاوية التي تجلس عليها، تذكرت انها لم تنظر في المرآة قبل النزول من المنزل، ثم عادت بالذاكرة الي ذلك اليوم البعيد.. ربما كان ذلك حين توقفت عن النظر في المرآة.
اتاها النادل بقهوتها وغادر دون ان ينظر اليها، لا تذكر انها طلبت القهوة.. من قال انها تريد قهوة؟؟ ربما تريد ان تتناول احدي العصائر!!
حركت يديها امام النافذة بحثا عن ظلها علي الحائط المقابل.. لم تجده هذه المرة ايضا، ذلك الشاب في الطاولة المقابلة يبتسم وهو ينظر باتجاهها، هل يضحك من بحثها عن ذلك الظل المختفي؟؟ تنبهت انه يبتسم لفتاة في الطاولة التي خلفها، ينظر الي الفتاة عبرها...يبدو انه لا يراها، يبدو ان ظلها لم يختفي وحده.
احتست قهوتها بهدوء.. سرحت في الفراغ وعادت بالذاكرة الي اسابيع مضت، كانت تنظره.. نعم هو تحديدا كان انتظاره طقس صار معتادا منذ اعوام، حين اخبرها بقدومه هرعت الي المرآة وارتدت ذلك الفستان الجديد تعرف انه سيحبه، تزينت واسرعت الي الشارع الواسع تسابق ظلها وتطارده كالاطفال.
اتي المساء ولم يأتي هو، اخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها وفتحتها، نظرت لانعكاسها في المرآة وازالت احمر الشفاة، ثم غادرت وعادت الي غرفتها عبر الشارع الواسع، لم تلاحظ يومها في طريق العودة ظلها.
اخرجت المرآة من حقيبتها، فتحتها ونظرت بداخلها وجدت فتاة تزيل احمر شفاه، تعرف تلك الملامح، تشبه ملامح نظرت اليها كثيرا، ظلت تتأمل الفتاة التي انهمكت بالكامل في ازالة احمر الشفاة دون ان تمل، اغلقت المرآة تاركة الفتاة تكمل بهمة.
نظرت لمرآة السقف مرة اخيرة بحثا عن انعكاسها دون جدوي، تركت ثمن القهوة علي الطاولة، وغادرت الي الشارع، نظرت الي ارض الشارع مرة اخري فلم تجد ظلها.. ربما تبحث عنه في يوم اخر، اما اليوم فلا وقت لذلك فهي علي موعد مع نفسها.

Wednesday, March 1, 2017

يوماً_ما

استيقظت محدقة في فراغ الغرفة التي تسكنها منذ ايام قلائل، لا تعرف لماذا استيقظت في تلك الساعة قبل الفجر، شعور بعينين تحدقان فيها في الظلام فتحت عيناها بحثا عن تلك العينان فلم تراهما، الا انها تشعر بهما ينظران عبرها، داخلها، الي اغوار لم تصل هي اليها داخل نفسها المتاشبكة، فقدت الامل في معاودة النوم وهي تشعر انها مراقبة، ارتدت ملابسها مسرعة، متوترة تتخبط في احساسها المتنامي بالمراقبة، غادرت غرفتها الي الممر الطويل الفاصل بين حجرات الفندق، تخشي تلك الحجرات وتلك الممرات، تشعر في كل زيارة الي احد الفنادق بتلك الاحاسيس المضطربة، تشعر بكل من اقام في تلك الغرف قبلها، تكاد تشم رائحة كل من سبقها الي غرفتها، تشعر ببرودة الغرف تزحف داخلها.
غادرت الممر الي الطابق الارضي، القت التحية علي موظف الاستقبال شبه النائم، لحق بها مرتعبا متسائلا اذا كانت بخير.. اي خدمة يا هانم؟؟
شكرته مكملة طريقها الي الخارج، تعرف انه مذهول من خروجها في هذا الوقت، هي بلدة صغيرة محافظة علي اطراف الخريطة، يعرف اهلها بعضهم البعض، هو يظنها تخرج وحيدة، يبدو انه هو الاخر لم يشاهد تلك العينان تراقبانها، تشعرانها بالاقتحام ومزيج من القلق والاستئناس، لا تعرف كم من الوقت ظلت تمشي حتي وجدت نفسها علي ضفة النهر العجوز، جلست علي ضفافه وحدقت في صفحتة المظلمة، هالها الصمت المحيط بها، صمت ثقيل تكاد تشعر بثقله يضغط علي اكتافها، كسر نباح جرو بعيد حدة الصمت، اقترب منها متحمسا ثم توقف مرتعبا، ربما استطاع رؤية تلك العينان اللتان تقتحمانها، نادته فاقترب واستكان وصمت.
بحثت حولها مرة اخري علها تري تلك العينان، لا تراهما الا انها لم تعد تشعر بالضيق، بدأت تنصت لصوت النهر الحزين، حكايات وقصص بدأت همسا متداخلا بدأ يعلو تدريجيا، يصبح اكثر وضوحا وقوة، حكي الاف القصص سريعا.. ثم توقف عند روايته قصة قصيرة، رسالة حملها له احدهم وهو يناجيه منذ وقت قريب، امضي علي ضفته ساعات سارحا مناجيا، ذكر اسمها همسا.. لم يتسطع النهر العجوز ان يبقي صامتا وهو يشعر بها قريبة من ذات البقعة تحديدا، اراد ان ينقل لها ما سمعه من صديق المناجاه.. كانت قد وقفت طويلا علي تلك الضفة صباحا متسائلة عما اذا كان قد عبر بها هو من قبل، جائتها الاجابة سريعا، كان النهر ارق من ان يترك تساؤلها بلا جواب.
استمعت لحكايات اخري متداخلة، ذلك النهر العجوز يصبح احيانا بحاجة الي ان يحكي بعض من الاف القصص التي شاهدها منذ وهب الحياة لتلك الاراضي في الازمنة السحيقة.
انتبهت لاصوات اخري تتصاعد تشوش علي صوت حكاياته، نظرت حولها للنور الذي غمر الصمت، واصوات المارة يبدأون يومهم.
صمت النهر عن الحكايات، شكرته واتجهت عائدة الي حيث اتت يتبعها الجرو، تشعر بالعينان تحرسانها، سوف تدون تلك الحكايات يوما، لكنها قبل ذلك يجب لن تعود لتسمع المزيد من الرسائل.

 #يوماً_ما

Saturday, February 11, 2017

يوماً_ما

امسكت بالفنجال المقلوب تديره بين اصابعها، نظرت بعيدا الي البحر الممتد خارج نافذة المقهي الصغير الذي اعتادت الجلوس فيه بصورة شبه يوميه، عادت للفنجال تديره وتسرح داخله، تقرأ رموزه التي تناثرت ذات اليمين وذات الشمال، اخبرتها احدي صديقاتها منذ اعوام ان قراءة الفنجان تجلب سوء الطالع، واخبرها آخرون انه ذنب يستوجب الاستغفار او العقاب الأبدي، لم تفهم يوما منطق تحريم الملذات الصغيرة، انها تبحث داخله عن لوحة ترسمها لا عن غيب خبأته الاقدار.
نفخت دخان سيجارتها داخل الفنجال، للحظات شعرت ان تلك الاشكال تتذمر من رائحة الدخان، رأت احدهم يحرك يديه ليبعد ذلك الدخان عن وجهه.
ابتسمت واكملت جولتها وسط الرموز، هناك رأته يجلس مهموما ينفث دخان سيجارته هو الاخر غير عابيء بباقي سكان الفنجال، كعادته يجلس هادءا يحتسي قهوته الفرنسية، شاردا فيما يحمل من اعوام طويلة داخل قلبه.
تناست ذلك الزحام الموجود حوله، كل هؤلاء الذين يلوحون لها من حوله لتنظر اليهم، لا يستطيعون ان يجعلوها تشيح بنظرها عنه، تمنت ان يكبر ذلك الفنجال لتري تفاصيل وجهه بشكل اوضح، ملامحة التي تحفظها عن ظهر قلب.
ابتسم وهو ينظر بعيدا، ابتسامة باهته حزينة، احس بعينيها تنظران اليه من خارج اسوار الفنجال العالية، ادار وجهه ونظر اليها نظرة طويلة ثم ابتسم ابتسامة دافئة وهو ينظر الي عينيها.
"خلصتي القهوة يا فندم؟" سألها النادل وهو ينظر اليها، ابتسمت وناولته الفنجال.
يوما ما لن تحتاج الي جدران الفنجال لتري ابتسامته.. ربما ليس اليوم لكنه بالتأكيد يوما ليس بعيد.

Wednesday, January 25, 2017

يوماً_ما

تناولت قلما ومجموعة اوراق وجلست بجانب النافذة تتأمل الطريق شبه الخالي في ساعات الصباح الباكرة، استغرقت في تأملاتها وهي تراقب حافلات المدارس وقد بدأت العبور اسفل البنايات، وجوه الاطفال الناعسة في الصباح الباكر وتعبيرات امهات انهكهن اليوم قبل ان يبدأ، ابتسمت لقدح القهوة وهي تشعر بالامتنان كونها غير مضطرة للخروج اليوم، تشعر بالرضا لذلك الدفء الممتد من كفيها وهي تحتضن ذلك القدح الكبير الذي رافقها اعواما من عمرها ويسري في حواسها، تناولت القلم وبدأت ترسم خطوط متقاطعة غير واضحة حتي لها، اندمجت في تلك الخطوط وتاهت بها حتي تكون امامها شكلا تعرفه جيدا.
ازاحت الورقة واعدت قدحا اخر تناولته مع سيجارة جديدة، وخلف الدخان رأت ذلك الشكل يتكون مجددا كأنه يلاحقها، تناولت القلم مرة اخري الا انها هذه المرة بدأت تكتب رسالة طويلة، لم تفكر في نص الكلمات ولا صياغتها، كانت الكلمات تنساب من القلم كأنها مخزنة به منذ اعوام، تلك الكلمات تعرف مكانها جيدا ولا تنتظرها، انتبهت فجأة الي ان الكلمات توقفت عن الانسياب كأنها انتهت، تنبهت ايضا الي الم في اصابعها، نظرت الي الاوراق لتجد انها خطت ما يقرب من عشر صفحات.
بدهشة بالغة قرأت ما كتبته، لتجد انها كتبت رسالة اعتذار لتلك المرأة الاخري، تلك التي تمقت وجودها وتشفق عليها في آن واحد، تلك التي تقاسمها ما لا يدركه سواهما، تلك التي تمنت ان تكرهها حتي لا تشعر بالذنب تجاهها الا انها فشلت.
تأملت كلماتها المسترسلة، تحكي لها عن سنوات مضت قبل ان توجد هي في مساحة مشتركة، وسنوات لاحقة شاركتها فيها الاما لا تدركها.
مزقت الرسالة وهي تتسآل عن اليوم الذي ستتمكن فيه من كتابتها مرة ثانية وارسالها ربما بعد اضافة اعواما جديدة.
تأملت الطريق الذي دبت فيه الحركة و الحياة، وقررت العودة الي النوم.
بامكان الرسالة الانتظار.