Wednesday, January 16, 2019

يوماً_ما

جلست على تلك الطاولة البعيدة وحدها، تعبث باوراق واقلام تناثروا امامها، سرحت في الافق كثيرا ويدها تعبث بالقلم على احدى الاوراق، ابيات شعر تتردد داخل رأسها، هتافات من مسيرة قديمة، احدي سطور كتاب قديم، ذكريات قديمة، احلام مؤجلة، موسيقي صاخبة، ذكريات من حياة سابقة، تدور كلها في مكان ما داخل رأسها.
تسرح بعيدا في الافق، تكاد تشم رائحة غاز يتصاعد من مكان ما، تلتفت حولها فلا تجد مصدرا للغاز، الا ان دموعها تسيل غزيرة بتأثير غاز غير موجود، تحاول ان تعود بعقلها الي قهوتها، الي الطاولة اللي تجلس عليها، تنظر الي الورقة التي تعبث بها امامها لتجد ملامح ما تتكون، تترك العنان لقلمها ليكمل ملامح الغريب على الورقة، تشعر بالفة غريبة مع ملامح الغريب.
يأتيها صوت بعيد يبدو مألوفا، يخبرها كلام يبدو عاديا، تدور بعينيها بحثا عنه فلا تجده، ترتبك وتسكب قهوتها على الورقة.
تحاول انقاذ ما تبقى منه، هذا الغريب الخارج من داخل رأسها الا انها تفشل، ترفع عينيها للافق ثانية حزينة الا ان حضور طاغ قد غمرها، تنظر الي الكرسي المقابل لها على الطاولة لتجدة.
هو.. ذلك الغريب الذي خرج من رأسها، صوته يحمل الموسيقى الصاخبة، والشعر الاندلسي، والهتافات البعيدة، رائحته مزيج من قهوتها المسكوبة، سجائرها المحترقة والغاز القادم من مكان بعيد، ملامحة تحمل احلامها المؤجلة، هزامئها المتتالية وحروبها التي تخوضها.
تجتاحها الفة، ويجتاحها... بينما يتحدث معها تحاول ان تفهم كيف اتي؟؟ كيف خرج من رأسها الى اوراقها الى الكرسي المقابل لها؟
تستمع اليه، تنظر اليه، تفكر ان تبعث رسالة الي طبيبها تسأله ان كان المهديء الذي تتناوله يوميا يسبب الهلاوس... يكمل كلامه، تستمع اليه، تتركه يقتحمها.
ربما عليها أن تتأكد من وجوده، ربما عليها ان تكف عن تناول المهدئات، ربما يوما ما تفعل، اما الان يكفي ان يكون موجودا.. حتى وان كان فكرة تجسدت من داخل عقلها، ليس الوقت مناسب للواقعية.